فصل: خلع السلطان على الشريف خشرم بن دوغان بن جعفر الحسيني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


هذا وقد جلس الملك الأشرف بالمقعد الذي على باب البحرة المقابل لباب الحوش السلطاني في موكب عظيم من الأمراء والخاصكية وعنده الشريف بركات بن حسن بن عجلان أمير مكة وهو جالس فوق الأمراء ورسل خوند كار مراد بن عثمان متملك بلاد الروم ورسل صاحب تويس من بلاد المغرب ورسول الأمير عذرا أمير العرب بالبلاد الشامية وقد طال جلوس الجميع عند السلطان إلى قريب الظهر والسلطان يرسل إلى الغزاة رسولًا بعد رسول باستعجالهم حتى اجتازوا بتلك الأماكن المذكورة فإنها مسافة طويلة وأيضًا لا يقدرون على سرعة المشي من كثرة ازدحام الناس بالطرقات‏.‏

ثم ساروا من باب المدرج إلى أن دخلوا باب الحوش فلما رأى متملك قبرس السلطان وهو جالس على المقعد المذكور في موكبه وأمره من معه بتقبيل الأرض غشي عليه وسقط إلى الأرض‏.‏

ثم أفاق وقبل الأرض وقام على قدميه عند باب الحوش تجاه السلطان على بعد‏.‏

وسارت الغنائم بين يدي السلطان حتى عرضت عليه بتمامها وكمالها ثم الأسرى بأجمعهم حتى انتهى ذلك كله فتقدمت الأمراء الغزاة وقبلوا الأرض على مراتبهم إلى أن كان آخرهم الأمير إينال الجكمي مقدم العساكر‏.‏

ثم أمر السلطان بإحضار متملك قبرس فتقدم ومشى وهو بقيوده ورأسه مكشوفة وبعد أن مشى خطوات أمر فقبل الأرض ثم قام ثم قبل الأرض ثانيًا بعد خطوات وأخذ يعفر وجهه في التراب ثم قام فلم يتمالك نفسه وقد أذهله ما رأى من هيبة الملك وعز الإسلام فسقط ثانيًا مغشيًا عليه‏.‏

ثم أفاق من غشوته وقبل الأرض وأوقف ساعة بالقرب من السلطان بحيث إنه يتحقق شكله‏.‏

هذا والجاويشية تصيح والشبابة السلطانية تزعق والأزان يضرب على آلته ورؤوس النوب والحجاب تهول الناس بالعصي من كثرة العساكر والناس بالحوش المذكور هذا مع ما الناس فيه من التهليل والتكبير بزقاقات القلعة وأطباق المماليك السلطانية وغيرها‏.‏

ثم أمر السلطان بجينوس المذكور أن يتوجه إلى مكان بالحوش السلطاني فمروا به في الحال إلى المكان المذكور‏.‏

ثم طلب السلطان مقدمي عساكر الغزاة من أمراء مصر والشام والخاصكية المقدم كل واحد منهم على مركب وكانوا كثيرًا جدًا لأن عدة مراكب الغزاة المصريين والشاميين زادت على مائة قطعة وقيل مائتان وقيل أكثر أو أقل ما بين أغربة وقراقير وزوارق وغير ذلك‏.‏

فأول من بدأ بهم السلطان وخلع عليهم أمراء الألوف بمصر والشام وخلع على كل واحد منهم أطلسين متمرًا وقيد له فرسًا بقماش ذهب وهم الأمير إينال الجكمي أمير مجلس والأمير تغري بردي المحمودي الناصري رأس نوية النوب والأمير قرامرادخجا الشعباني الظاهري برقوق أمير جاندار والأمير حسين بن أحمد المدعو تغري برمش البهسني التركماني أحد مقدمي الألوف والأمير طوغان السيفي تغري بردي أحد مقدمي الألوف بدمشق ثم أمراء الطبلخانات والعشرات من أمراء مصر والشام على كل واحد فوقاني كمخا أحمر وأخضر وبنفسجي بطرز زركش على قدر مراتبهم وكذلك كل مقدم مركب من الخاصكية والأجناد وغيرهم فكان هذا اليوم يومًا عظيمًا جليلًا لم يقع مثله في سالف الأعصار أعز الله تعالى فيه دين الإسلام وأيده وخذل فيه الكفر وبدده‏.‏

ثم انفض الموكب ونزل كل واحد إلى داره‏.‏

وقد كثرت التهاني بحارات القاهرة وظواهرها لقدوم المجاهدين حتى إن الرجل كان لا يجتاز بدرب ولا حارة إلا وجد فيها التخليق بالزعفران ثم أصبح السلطان من الغد وهو يوم الثلاثاء تاسع شوال جمع التجار لبيع الغنائم من القماش والأواني والأسرى‏.‏

ثم أرسل السلطان يطلب من متملك قبرس المال فقال‏:‏ مالي إلا روحي وهي بيدكم وأنا رجل أسير لا أملك الدرهم الفرد من أين تصل يدي إلى مال أعطيه لكم‏.‏

وتكرر الكلام معه بسبب ذلك وهو يجيب بمعنى ما أجاب به أولًا حتى طلبه السلطان بالحوش وكان به أسارى الفرنج فلما حضر بين يدي السلطان وقبل الأرض وأوقف وشاهده الأسرى من الفرنج في تلك الحالة صرخوا بأجمعهم صرخة واحدة وحثوا التراب على رؤوسهم والسلطان ينظر إليهم من مجلسه بالمقعد الذي كان جلس به من أمسه‏.‏

وسبب صراخ الأسرى وعظيم بكائهم أنه كان فيهم من لا يصدق أن ملكهم قد أسر لكثرتهم وتفرقهم في المراكب والاحتفاظ بهم وعدم اجتماع بعضهم على بعض فكان إذا قيل لبعضهم‏:‏ إن ملككم معنا أسير يضحك ثم يقول‏:‏ أين هو فإذا قيل له‏:‏ بهذه المركب ويشار إلى مركب الأمير تغري بردي المحمودي يهزأ بذلك ويبتسم‏.‏

فلما عاينوه تحققوا أسره وهالهم ذلك وقيل إن بعض سبي الفرنج سألت من رجل من المسلمين لما كسروا الصليب الكبير الذي يعرف به جبل الصليب ببلادهم وكان هذا الصليب معظمًا عندهم إلى الغاية وقالت‏:‏ نحن إذا حلف منا رجل أو امرأة على هذا الصليب باطلًا أوذي في الوقت وأنتم قد كسرتموه وأحرقتموه ولم يصبكم بأس ما سبب ذلك فقال لها الرجل‏:‏ أنتم أطعتم الشيطان فصار يغويكم ويستخف بعقولكم ونحن قد هدانا الله للإسلام وأنزل علينا القرآن فلا سبيل له علينا فعندما كسرناه بعد أن ذكرنا اسم الله تعالى عليه فر منه الشيطان وذهب إلى لعنة الله فقالت المرأة‏:‏ هو ما قلته وأسلمت هي وجماعة معها‏.‏

انتهى‏.‏

ولما أوقف جينوس المذكور بالحوش بين يدي السلطان وأوقف معه جماعة من قناصلة الفرنج ممن كان بمصر وأعمالها وتكلم الترجمان معه فيما يفدي به نفسه من المال وإلا يقتله السلطان صمم هو على مقالته الأولى فالتزم القناصلة عنه بالمال لفدائه من غير تعيين قدر بعينه ولكنهم أجابوا السلطان بالسمع والطاعة فيما طلبه وعادوا بجينوس إلى مكانه من الحوش والترسيم عليه وكان الذي رسم عليه السيفي أركماس المؤيدي الخاصكي المعروف بأركماس فرعون‏.‏

وأقام جينوس بمكانه إلى يوم الأربعاء فرسم له السلطان ببدلتين من قماشه وأمر له بعشرين رطل لحم في كل يوم وستة أطيار دجاج وخمسمائة درهم فلوسًا برسم حوائج الطعام وفسح له في الاجتماع بمن يختاره من الفرنج وغيرهم وأدخل إليه جماعة من حواشيه لخدمته‏.‏

كل ذلك والسلطان مصمم على طلب خمسمائة ألف دينار منه يفدي بها نفسه وإلا يقتله والرسل تتردد بينهم من التراجمين والقناصلة إلى أن تقرر الصلح بعد أيام على أنه يحمل مائتي ألف دينار يقوم منها بمائة ألف دينار عاجلة وإذا عاد إلى بلاده أرسل بالمائة ألف دينار الأخرى وضمنه جماعة في ذلك وأنه يقوم في كل سنة بعشرين ألف دينار جزية‏.‏

واشترط جينوس مع السلطان أن يكف عنه طائفة البنادقة وطائفة الكيتلان من الفرنج فضمن له السلطان ذلك وانعقد الصلح ثم أطلقه من السجن بعد أيام كما سنذكره في يومه‏.‏

هذا ما كان من أمر صاحب قبرس وغزوه‏.‏

انتهى‏.‏

وأما أمور المملكة فإنه لما كان يوم الخميس حادي عشر شوال المذكور سافر الشريف بركات بن حسن من القاهرة إلى مكة المشرفة أميرًا بها مكان والده حسن‏.‏

ثم في يوم الاثنين خامس عشر شوال خلع السلطان على الأمير الجكمي أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضًا عن الأتابك يشبك الأعرج وكانت شاغرة عنه من يوم صار أتابك العساكر لغيبة إينال هذا في الجهاد وخلع على الأمير جرباش الكريمي قاشق حاجب الحجاب باستقراره أمير مجلس عوضًا عن إينال الجمكي وخلع على الأمير قرقماش الشعباني الناصري باستقراره حاجب الحجاب بالديار المصرية عوضًا عن جرباش المذكور‏.‏

ثم في ثامن عشرة

 خلع السلطان على الشريف خشرم بن دوغان بن جعفر الحسيني

باستقراره أمير المدينة النبوية عوضًا عن الشريف عجلان بن نعير منصور بن جماز على أنه يقوم بخمسة آلاف دينار‏.‏

ووقع بسبب ولاية خشرم هذا بالمدينة حادثة قبيحة وهي أن خشرمًا المذكور لما قدم المدينة وقد رحل عنها المعزول عنها وهو الشريف عجلان بن نعير لما بلغه عزله فلم يلبث خى بالمدينة غير ليلة واحدة وصبحه عجلان بجموعه وقد حشد العربان وقاتل الشريف خشرمًا وحصره ثلاثة أيام حتى كسروه ودخل العرب المدينة ونهبوا دورها وشعثوا أسوارها وأخذوا ما كان للحجاج الشاميين من ودائع وغيرها وقبضوا على خشرم المذكور ثم أطلقوه بسبب من الأسباب واستهانوا بحرمة المسجد وارتكبوا عظائم‏.‏

كل ذلك في أواخر ذي القعدة‏.‏

ثم في يوم الخميس ثاني عشرين ذي الحجة قدم الأمير جارقطلو الظاهري برقوق نائب حلب فطلع إلى القلعة وقبل الأرض وخلع السلطان عليه خلعة الاستمرار على نيابته واستمر بالقاهرة إلى يوم السبت أول محرم سنة ثلاثين وثمانمائة خلع السلطان عليه خلعة السفر وخرج من يومه إلى محل كفالته‏.‏

ثم في يوم الخميس سادس المحرم خلع السلطان على الأمير أزدمر علي خان الظاهري أحد مقدمي الألوف بديار مصر المعروف بشايا باستقراره في حجوبية حلب قلت‏:‏ درجة إلى أسفل فإنه يستحق ذلك وزيادة لما كان يشتمل عليه من المساوىء والقبائح لا أعرف في أبناء جنسه أقذر منه كان دميم الخلق مذموم الخلق بشع المنظر كريه المعاشرة بخيلًا متكبرًا ظالمًا جبارًا هذا مع الجبن والجهل المفرط وعدم التفات الملوك إليه في كل دولة من الدول وعد إخراجه من مصر من حسنات الملك الأشرف وأنا أقول لو كان الرجل يرزق على قدر معرفته وما يحسنه من الفضائل والفنون لكانت رتبة أزدمر هذا أن يكون صبيًا لبعض أوباش السراباتية‏.‏

وقد استوعبنا مساوئه في ترجمته في تاريخنا المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي‏.‏

انتهى‏.‏

ثم أخذ السلطان في الفحص على جاني بك الصوفي على عادته‏.‏

وأهل شهر ربيع الأول ففي ليلة الجمعة رابعه عمل السلطان المولد النبوي بالحوش من قلعة الجبل‏.‏

ثم في يوم السبت حادي عشرينه أفرج السلطان عن جينوس متملك قبرس من سجنه بقلعة الجبل وخلع عليه وأركبه فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش ونزل إلى القاهرة في موكب وأقام بدار أعدت له وقد استقر أركماس المؤيدي المعروف بفرعون مسفره وصار يركب من منزله المذكور ويمر بشوارع القاهرة ويزور كنائس النصارى ومعابدهم ويتوجه إلى حيث اختار من غير حجر عليه بعد أن أجرى السلطان عليه من الرواتب ما يقوم به وبمن في خدمته‏.‏

هذا والخدم تأتيه من النصارى والكتاب والقناصلة‏.‏

وحضرت أنا معه في مجلس فرأيت له فوقًا ومعرفة عرفت منه بالحدس كونه لا يعرف باللغة العربية‏.‏

ولما كان يوم الخميس سابع جمادى الأولى خلع السلطان على الأمير جرباش الكريمي قاشق أمير مجلس باستقراره في نيابة طرابلس عوضًا عن الأمير قصروه من تمراز بحكم انتقال قصروه إلى نيابة حلب عوضًا عن جارقطلو بحكم عزل جارقطلو وقدومه إلى القاهرة‏.‏

وفيه قدم رسول صاحب رودس الفرنجي فأركب فرسًا وفي صدره صليب وأطلع إلى القلعة وقبل الأرض بين يدي السلطان وسأل عن مرسله صاحب رودس أنه طلب الأمان وأنه يسأل أن يعفى من تجهيز العساكر الإسلامية إليه وأن يقوم للسلطان بما يطلبه منه وكان السلطان تكلم قبل تاريخه في غزوة رودس المذكورة‏.‏

ثم في يوم الخميس خامس جمادى الآخرة خلع السلطان على جينوس بن جاك متملك قبرس خلعة السفر‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة المذكورة أمسك السلطان الأمير تغري بردي المحمودي رأس نوبة النوب بعد فراغه من لعب الكرة بالحوش السلطاني فقبض على تغري بردي المذكور وهو بقماش لعب الكرة وقيد وأخرج من يومه إلى سجن الإسكندرية ولم يعلم أحد ذنبه عند السلطان حتى ولا تغري بردي المذكور فإني سألته فيما بعد فقال‏:‏ لا أعلم على ماذا أمسكت‏.‏

غير أن المقريزي ذكر أنه له ذنوب وأسباب في مسكه نذكرها بعد أن نذكر قصة مباشره‏.‏

واتفق في مسكه حادثة غريبة وهو أن رجلًا من مباشريه س يقال له ابن الشامية كان بخدمته فلما بلغه القبض عليه شق عليه ذلك وخرج إلى جهة القلعة ليسلم عليه فوافى نزوله من القلعة مقيدًا إلى الإسكندرية فصار يصيح ويبكي ويستغيث وهو ماش معه حتى وصل إلى ساحل النيل ووقف حتى أحدر أستاذه تغري بردي المحمودي في الحراقة إلى جهة الإسكندرية فلما عاين سفره اشتد صراخه إلى أن سقط ميتًا فحمل إلى داره وغسل وكفن ودفن‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير أركماس الظاهري باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن تغري بردي المذكور وأنعم عليه بإقطاعه أيضًا وأنعم بإقطاع أركماس المذكور وتقدمته على الأمير قاني باي الأبوبكري الناصري المعروف بالبهلوان ثاني رأس نوبة وأنعم بطبلخاناه قاني باي على سودون ميق الأمير آخور الثاني وخلع على الأمير إينال العلائي الناصري باستقراره رأس نوبة ثانيا عوضًا عن قاني باي البهلوان المذكورة وإينال هذا هو الملك الأشرف إينال سلطان زماننا‏.‏

وأما ما وعدنا بذكره من قول المقريزي في سبب مسك تغري بردي المذكور قال‏:‏ وهذا المحمودي من جملة مماليك الملك الناصر فرج‏.‏

فلما قتل فرج خدم عند الأمير نوروز الحافظي بدمشق وصار له ميزة عنده فلما قتل نوروز سجنه الملك المؤيد شيخ بقلعة فما زال محبوسًا بها حتى تنكر المؤيد على الأمير برسباي الأمير الدقماقي نائب طرابلس وسجنه بالمرقب مع المحمودي وإينال الششماني فرأى تغري بردي المحمودي في ليلة من الليالي منامًا يدل على أن برسباي يتسلطن فأعلمه به فعاهده على أن يقدمه إذا تسلطن ولا يعترضه بمكروه‏.‏

فلما كان من سلطنة الملك الأشرف برسباي ما كان وتقدمته للمحمودي فيما مضى وتمادى الحال إلى أن بات بالقصر على عادته فقال لبعض من يثق به من المماليك ما تقدم من منامه بالمرقب وأنه وقع كما رأى وأنه أيضًا رأى منامًا يدل على أنه يتسلطن ولا بد فوشى ذلك المملوك به للسلطان فحرك منه كوامن منها أنه صار يقول‏:‏ لما حججنا أحضرت ابن عجلان ولما مضيت إلى قبرس أسرت ملكها أين كان الأشرف حتى يقال هذا بسعده والله ما كان هذا إلا بسعدي وتنقل كل ذلك إلى السلطان‏.‏

انتهى كلام المقريزي بتمامه‏.‏

ثم في يوم الاثنين أول شهر رجب قدم الخبر على السلطان بموت المنصور عبد الله ابن الملك الناصر أحمد صاحب اليمن وأن أخاه ملك وبعده ولقب بالأشرف إسماعيل‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثامن شهر رجب قدم الأمير جارقطلو المعزول عن نيابة حلب إلى القاهرة وطلع إلى القلعة وقبل الأرض فخلع عليه السلطان باستقراره أمير مجلس عوضًا عن جرباش قاشق بحكم انتقال جرباش إلى طرابلس حسبما تقدم ذكره‏.‏

ثم في تاسع عشر رجب المذكور توجه الزيني عبد الباسط ناظر على الهجن إلى حلب لعمارة سورها ولغير ذلك من المهمات السلطانية بعده عدة خيول قبل ذلك بأيام‏.‏

ثم في يوم الخميس أول شهر رمضان فتح الجامع الذي أنشأه جاني بك الأشرفي الدوادار الثاني بالشارع الاعظم خارج باب زويلة القربيين وأقيم به الجمعة في يوم الجمعة ثانيه‏.‏

ثم في سابع عشر شهر رمضان المذكور قدم عبد الباسط إلى القاهرة حلب وطلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه‏.‏

ثم في ثالث عشرينه طلع زين الدين عبد الباسط بهدية إلى السلطان فيها مائتا فرس وحلي كثير ما بين زركش ولؤلؤ وقماش مذهب برسم السلطان صوف وفرو وغيره‏.‏

ثم في عاشر ذي القعدة قدم الخبر على السلطان بأن قاضي قضاة دمشق نجم الدين عمر بن حجي وجد مذبوحًا على فراشه ببستانه بالنيرب خارج دمشق ولم يعرف قاتله واتهم الناس الشريف كاتب سر دمشق ابن الكشك وعبد الباسط بالممالأة على قتله وراحت على من راحت‏.‏

وكان ابن حجي المذكور من أهل دمشق وفضلائهم وقد تقدم من ذكره نبذة في ولايته ثم في رابع عشر ذي القعدة خلع السلطان على الأمير قاني باي البهلوان أحد مقدمي الألوف يمصر باستقراره في نيابة ملطية زيادة على ما بيده من إقطاع تقدمة ألف بديار مصر عوضًا عن أزدمر شايا المقئم ذكره لعجزه عن القيام بقتال التركمان وأعيد أزدمر شايا إلى إقطاعه بحلب كما كان أولًا‏.‏

ثم في يوم الاثنين سلخ ذي القعدة خلع السلطان على بهاء الدين محمد ابن الفاضي نجم الدين عمر بن حجي باستقراره قاضي قضاة دمشق عوضًا عن والده بحكم وفاته وولي بهاء الدين هذا القضاء قبل أن يستكمل عذاره‏.‏

ثم في سابع عشرين ذي الحجة قدم مبشر الحاج وأخبر بسلامة الحاج ورخاء الأسعار بمكة وأنه قرىء مرسوم السلطان بمكة المشرفة في الملأ بمنع الباعة من بسط البضائع أيام الموسم في المسجد الحرام ومن ضرب الناس الخيام بللمسجد المذكور على مصاطبه وأمامها ومن تحويل المنبر في يوم الجمعة والعيدين من مكانه إلى جانب الكعبة حتى يسند إليها فأمر أن يترك مكانه مسامتًا لمقام إبراهيم الخليل عليه السلام ويخطب الخطيب عليه هناك‏:‏ وأن تسد أبواب المسجد بعد انقضاء الموسم إلا أربعة أبواب من كل جهة باب واحد وأن تسد الأبواب الشارعة من البيوت إلى سطح المسجد فامتثل جميع ذلك‏.‏

قال المقريزي‏:‏ وأشبه هذا قول عبد الله بن عمر رضي الله عنه وقد سأله رجل عن دم البراغيث فقال‏:‏ عجبًا لكم يا أهل العراق تقتلون الحسين بن علي وتسألون عن البراغيث وذلك أن مكة استقرت دار مكس حتى إنه يوم عرفة قام المشاعلي والناس بذلك الموقف العظيم يسألون الله مغفرة ذنوبهم فنادى معاشر الناس كافة‏:‏ من اشترى بضاعة وسافر بها إلى غير القاهرة حل دمه وماله للسلطان فأخر التجار القادمون من الأقطار حتى ساروا مع الركب المصري على ما جرت به هذه العادة المستجدة منذ سنين لتؤخذ منهم مكوس بضائعهم ثم إذا ساروا من القاهرة إلى بلادهم من البصرة والكوفة والعراق أخذ منهم المكس ببلاد الشام وغيرها فهذا لا ينكر وتلك الأمور بعثنا بإنكارها‏.‏

انتهى كلام المقريزي‏.‏

قلت‏:‏ أنا لا أتابعه على ما أعاب وأبلق خير من أسود‏.‏

وكونه رسم برد التجار إلى الديار المصرية لتؤخذ منهم المكوس لايلزم أنه لايفعل معروفًا آخر‏.‏

وأما جميع ما أبطله ورسم بمنعه ففيه غاية الصلاح والتعظيم للبيت العتيق‏.‏

أما منع الباعة بالحرم فكان من أكبر المصالح والمعروف فإنه كان يقوم الشخص في طوافه وعبادته وأذنه ملأى من صياح الباعة والغوغاء من كثرة ازدحام الشراة‏.‏

وأما نصب الخيام فكان من أكبر القبائح ولعل الله تعالى يغفر للملك الأشرف جميع ذنوبه بإبطال ذلك من الحرم الشريف فإنه قيل إن بعض الناس كان إذا نصب خيامه بالمسجد الحرام نصب به أيضًا بيت الراحة وحفر له حفرة بالحرم وفي هذا كفاية‏.‏

وأما تحويل المنبر فإنه قيل للسلطان إن المنبر في غاية ما يكون من الثقل وأنه كلما ألصق بالبيت الشريف انزعج منه وتصدع فمنع بسبب ذلك وقد صار الآن يحول إلى القرب من البيت غير أنه لا يلصق به فحصلت المصلحة من الجهتين‏.‏

وأما غلق أبواب المسجد في غير أيام الموسم إلا أربعة فيعرف فائدة ذلك من جاوره بمكة ويطول الشرح في ذكر ما يتأتى من ذلك من المفاسد وإن كان فيه بعض مصلحة لسكان مكة‏.‏

انتهى‏.‏

ثم في رابع عشرين ذي الحجة قبض بالمدينة على أميرها الشريف خشرم بن دوغان بن جعفر بن هبة الله بن جماز بن منصور بن جماز فإنه لم يقم بالمبلغ الذي وعد به واستقر عوضه في إمرة المدينة الشريفة مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنا بن داود بن قاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه‏.‏

ثم في يوم الجمعة ثالث المحرم سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة قدم الحمل من جزيرة قبرس ومبلغه خمسون ألف دينار مشخصة فرسم السلطان بضربها دنانير أشرفية فضربت بقلعة الجبل والسلطان ينظر إليها إلى أن تمت‏.‏

ثم في يوم السبت حادي عشر المحرم المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل بغير قماش الخدمة ونزل إلى دار الأمير جاني بك الأشرفي الدوادار الثاني بحدرة البقر ليعوده في مرضه‏.‏

ثم في يوم الأربعاء ثاني عشرينه قدم الركب الأول من الحاج وقدم المحمل من الغد ببقية الحاج ومعهم الشريف خشرم في الحديد وقدم معهم أيضًا الأمير بكتمر السعدي من المدينة وكان له بها من العام الماضي‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر من سنة إحدى وثلاثين خلع السلطان على قاضي القضاة محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي الحنبلي وأعيد إلى قضاء الحنابلة بالديار المصرية بعد عزل قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز الحنبلي‏.‏

ولم يكن عزل عز الدين المذكور لسوء سيرته بل إنه سار في القضاء على طريق غير معتادة وهو أنه صار يمشي في الأسواق ويشتري ما يحتاجه بيده من الأسواق وإذا ركب أردف خلفه على بغلته عبده ويمر على هذه الهيئة بجميع شوارع القاهرة‏.‏

وكان كثير التردد إلي في كل وقت لأنه كان من جمله أصحاب الوالد فكان يأتي من المدرسة الصالحية ماشيًا ويجلس حيث انتهى به المجلس فلم يحسن ذلك ببال أعيان الدولة وحملوه على أنه يفعل ذلك تعمدًا ليقال وقالوا للسلطان وكان له إليه ميل زائد‏:‏ هذا مجنون‏.‏

ولا زالوا به حتى عزله وأعاد القاضي محب الدين‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء تاسع عشر صفر المذكور ركب السلطان من القلعة بغير قماش الخدمة وقد صار ركوب السلطان بغير قماش الخدمة عادة وكان يقبح ذلك في سالف الأعصار وأول من فعل ذلك الملك الناصر فرج ثم المؤيد ثم الأشرف هذا‏.‏

انتهى‏.‏

وسار حتى شق القاهرة ودخل من باب زويلة وخرج من باب النصر إلى خليج الزعفران فرأى البستان الذي أنشأه هناك وعاد من خارج القاهرة على تربته التي عمرها بجوار تربة الملك الظاهر برقوق بالصحراء ثم سار حتى طلع إلى القلعة‏.‏

ثم في ليلة الجمعة‏.‏

سابع شهر ربيع الأول قرىء المولد النبوي بالحوش السلطاني من قلعة الجبل على العادة‏.‏

ثم في يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الأول المذكور أنعم السلطان بإقطاع الأمير بكتمر السعدي على الأمير قجقار السيفي بكتمر جفق الزردكاش المعروف بجغتاي والإقطاع إمرة طبلخاناه بعد موت بكتمر السعدي‏.‏

وكان بكتمر من محاسن الدهمر معدودًا من أرباب الكمالات‏.‏

كان فقيهًا جنديًا شجاعًا عالمًا هنيًا قويًا عاقلًا مقدامًا عفيفًا لطيفًا لا أعلم في أبناء جنسه من يدانيه أو يقاريه في كثرة محاسنه‏.‏

صحبته سنين وانتفعت بفضله ومعرفته وأدبه‏.‏

وقد استوعبنا ترجمته في تاريخنا المنهل الصافي ويأتي ذكره أيضًا في الحوادث من هذا عقم النساء فما يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم ثم في آخر شهر ربيع الأول استقر تمرباي التمربغاوي الدوادار الثالث دوادارًا ثانيًا بعد موت الأمير جاني بك الأشرفي الدوادار ولم ينعم عليه بإمرة إلا بعد مدة طويلة أنعم عليه بإمرة عشرة‏.‏

وأما جاني بك فيأتي ذكره في الوفيات مطولًا إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم في شهر ربيع الآخر من هذه السنة تشكى التجار الشاميون من حملهم البضائع التي يشترونها من بندر جدة إلى القاهرة فوقع الاتفاق على أن يؤخذ منهم بمكة عن كل حمل قل ثمنه أو كثر ثلاثة دنانير ونصف وأن يعفوا عن حمل ما يقبضونه من جدة إلى مصر فإذا حملوا ذلك إلى دمشق أخذ مكسها هناك على ما جرت به العادة وتم ذلك‏.‏

قال المقريزي‏:‏ وفي هذا الشهر يعني عن جمادى الأولى من سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة كانت الفتنة الكبيره بمدينة تعز من اليمن وذلك أن الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس بن المجاهد علي بن المؤيد داود المظفر يوسف بن المنصور عمر بن علي بن رسول صاحب اليمن لما مات قام بعده ابنه الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل وقام بعد الناصر أحمد الملك المنصور عبد الله في جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانماثة وفي جمادى الآخرة سنة ثلاثين وثمانمائة فأقيم بعده أخوه الملك الأشرف إسماعيل بن أحمد الناصر فتغيرت عليه نيات الجند كافة من أجل وزيره شرف الدين إسماعيل بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر العلوي فإنه أخر صرف جوامكهم ومرتباتهم فتغيرت منه القلوب وكثرت حساده لاستبداده على السلطان وانفراده بالتصرف دونهم وكان يليه في الرتبة الأمير شمس الدين علي بن الحسام ثم القاضي نور الدين علي المحالبي مشد الاستيفاء‏.‏

فلما اشتد الأمر على العسكر وكثرت إهانة الوزير لهم وإطراحه جانبهم ضاقت عليهم الأحوال حتى كادوا يموتوا جزعًا فائفق تجهيز خزانة من عدن وبرز الأمر بتوجه طائفة من العبيد والأتراك إليها لتلفيها فسألوا أن ينفق فيهم أربعة دراهم لكل واحد منهم يرتفق بها فامتنع الوزير ابن العلوي من ذلك وقال‏:‏ ليمضوا غصبًا إن كان غرض في الخدمة وحين وصول الخزانة يكون خيرًا وإلا ففسح الله لهم للدهر بهم حاجة والسلطان غني عنهم فهيج هذا القول خفاء بواطنهم وتحالف العبيد والترك على الفتك بالوزير وإثارة فتنة فبلغ الخبر السلطان فأعلم به الوزير فقال‏:‏ ما يسووا شيئًا بل نشق كل عشرة في موضع وهم أعجز من ذلك‏.‏

فلما كان يوم الخميس تاسع جمادى الأولى هذه قبيل المغرب هجم جماعة من العبيد والترك دار العدل بتعز وافترقوا أربع فرق‏:‏ فرقة دخلت من باب الدار وفرقة دخلت من باب السر وفرقة وقفت تحت الدار وفرقة أخذت بجانب آخر‏.‏

فخرج إليهم الأمير سنقر أمير جاندار فهبروه بالسيوف حتى هلك وقتلوا معه عليًا المحالبي مشد الدواوين وعدة رجال ثم طلعوا إلى الأشرف وقد اختفى بين نسائه وتزيا بزيهن فأخذوه ومضوا إلى الوزير العلوي فقال لهم‏:‏ ما لكم في قتلي فائدة أنا أنفق على العسكر نفقة شهرين فمضوا إلى الأمير شمس الدين علي بن الحسام فقبضوا عليه وقد اختفى وسجنوا الأشرف في طبقة المماليك ووكلوا به وسجنوا ابن العلوي الوزير وابن الحسام قريبًا من الأشرف ووكلوا بهما وقد قيدوا الجميع‏.‏

وصار كبير هذه الفتنة برقوق من جماعة الأتراك فصعد هو وجماعة ليخرج الملك الظاهر يحيى ابن الأشرف إسماعيل بن عباس من ثعبات فامتنع أمير البلد من الفتح ليلًا وبعث الظاهر إلى برقوق أن يمهل إلى الصبح فنزل برقوق ونادى في البلد بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء وأن السلطان هو الملك الظاهر يحيى بن الأشرف‏.‏

هذا وقد نهب العسكر عند دخولهم دار العدل جميع ما في دار السطنة وأفحشوا في نهبهم فسلبوا الحريم ما عليهن وانتهكوا منهن ما حرم الله ولم يدع في الدار ما قيمته الدرهم الواحد‏.‏